فيلم “المشروع X”: محاولة مصرية لصناعة أكشن عالمي تنجح بصريًا وتفشل دراميًا

أطلق فيلم “المشروع X” شرارة موسم الصيف السينمائي لهذا العام وسط ضجة دعائية ضخمة، واعدًا الجمهور بمزيج من الإثارة، الأكشن، والمؤثرات البصرية العالية، بقيادة النجم كريم عبد العزيز. الإعلان التشويقي، الغني بمشاهد الحركة والتشويق، أوحى بأننا أمام تجربة مصرية غير مسبوقة من حيث الإنتاج، قد تضع السينما العربية على خريطة الأفلام التجارية العالمية. لكن يبقى السؤال: هل استطاع “المشروع X” أن يفي بهذه الوعود السينمائية أم اكتفى فقط بالمظهر الخارجي؟

الفيلم من إخراج بيتر ميمي، وتأليف مشترك بينه وبين أحمد حسني، ويضم نخبة من نجوم الشاشة المصرية: إياد نصار، ياسمين صبري، أحمد غزي، عصام السقا، بالإضافة إلى ظهور خاص لـ هنا الزاهد. ينتمي الفيلم إلى نوعية الأكشن والإثارة، مع محاولة دمج عناصر الغموض والمغامرة التاريخية في إطار عصري.

البداية داخل مستشفى نفسي… ثم إلى قلب الصحراء المصرية

تنطلق الأحداث داخل مستشفى للأمراض النفسية، حيث يُحتجز “يوسف” (كريم عبد العزيز) بتهمة قتل زوجته، ويحاول الأطباء تقييم حالته العقلية قبل عرضه على المحكمة. من خلال تقنية “الفلاش باك”، نتعرف على ماضي يوسف كعالم آثار شارك زوجته الراحلة “شمس” (هنا الزاهد) في التنقيب بأحد المعابد. بعد موتها الغامض واتهامه بجريمتها، يفقد أيضًا ابنته، ويتحول من عالم محترم إلى رجل ملاحق ومكروه.

المفاجأة الكبرى تأتي حين يظهر “آسر” (إياد نصار)، شخصية غامضة تمتلك ثروة وسجلًا إجراميًا، ليُخرج يوسف من المستشفى بوسائل غير قانونية، ويطلب منه قيادة فريق ينفذ مهمة بالغة السرية تحت عنوان “المشروع X”. هذه المهمة تتمثل في البحث عن غرفة مفقودة داخل الهرم الأكبر، بناءً على نظرية وضعتها زوجة يوسف قبل وفاتها، والتي تقول إن الهرم لم يكن مجرد مقبرة ملكية، بل يحمل سرًا دفينًا.

متاهة مغامرات غير مبررة

تتحول القصة بعد ذلك إلى سلسلة من المهمات المتشابكة: العثور على خريطة الغرفة السرية، التي توجد داخل غواصة غارقة، ثم العثور على موقع الغواصة بمساعدة وثائق مخبأة في أرشيف الفاتيكان! هذا التسلسل قد يبدو شيقًا على الورق، لكنه في الحقيقة يكشف عن تضخيم غير منطقي في الأحداث. فبدلاً من تصعيد درامي مدروس، يعتمد الفيلم على إدهاش المشاهد بتتابع سريع لمهمات عالمية، وكأننا ننتقل من “إنديانا جونز” إلى “المهمة المستحيلة” في دقائق.

ما يزيد الطين بلة هو غياب الدوافع المنطقية: لماذا يهتم آسر، المجرم الثري، بالبحث عن غرفة أثرية؟ لماذا يغامر يوسف، المتهم بجريمة قتل، بحياته في رحلة محفوفة بالمخاطر؟ ولماذا يتمتع بمهارات قتالية تليق بجاسوس دولي وليس عالم آثار؟ هذه الأسئلة تظل بلا إجابات، مما يضعف أساس الحبكة.

شخصيات نمطية ودوافع هشة

إحدى أكبر مشاكل الفيلم هي ضعف بناء الشخصيات. فـ”يوسف” يتحول من عالم آثار إلى مقاتل خبير في الأسلحة، و”آسر” شخصية لا نفهم خلفيتها أو دافعها، أما “مريم” (ياسمين صبري) فتبدو كمجرد إضافة جمالية، دون دور فعلي في مسار الأحداث، رغم تقديمها كغواصة محترفة. المفارقة أن باقي الشخصيات يملكون نفس المهارات، ما يجعل دورها بلا معنى سوى ملء فراغ نسائي.

يستخدم الفيلم أسلوب الشرح الزائد في بعض المشاهد، فيشرح كل مهمة وكأنها مستحيلة، لكنها تُنفذ بسهولة مفرطة، ما يفقد الفيلم عنصر التحدي والتشويق.

محاكاة هوليوودية من دون نكهة محلية

من الواضح أن الفيلم يستوحي الكثير من السينما الأميركية، سواء في بنية القصة أو في مشاهد الحركة. نجد إشارات مباشرة إلى أفلام مثل “Indiana Jones” و”Angels & Demons”، وحتى “National Treasure” و“The Da Vinci Code”. المشكلة ليست في الاقتباس بحد ذاته، بل في غياب الابتكار المحلي أو التكييف الثقافي الذي يجعل القصة أكثر التصاقًا بالبيئة المصرية.

بيتر ميمي، المعروف بحبه للسينما العالمية، ينجح في إخراج مشاهد بصرية مبهرة، لكن جمالية الصورة لم تنقذ ضعف السيناريو، الذي بدا كما لو كان يركض خلف لحظات بصرية مؤثرة دون التفكير في تسلسل منطقي متماسك.

خاتمة: تجربة تستحق الإشادة تقنيًا.. لكنها تخفق سرديًا

شاهد “فيلم المشروع X” يمثل تجربة جريئة في السينما المصرية من حيث الإنتاج، المؤثرات، والتمثيل البصري، ويؤكد طموح صناعه في الوصول إلى جمهور عالمي. لكن في المقابل، يعاني الفيلم من خلل واضح في بناء القصة والشخصيات، واعتماد مفرط على المظهر دون الجوهر.

الفيلم قد يُمتع جمهور الأكشن والمغامرات البصرية، لكنه سيخيب ظن محبي القصص المتماسكة والدوافع المنطقية. إنه بلا شك خطوة فنية كبيرة نحو تطوير الصناعة، لكنه يذكرنا في الوقت نفسه أن أساس السينما الجيدة يبدأ دومًا من حبكة متقنة وشخصيات ذات عمق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى